كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 16)

رَهَجًا قريبًا منه، قال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس، يا رسول الله. قال: وقد نزلت مِنّا بهذا المكان؟
قال ابن عباس: وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومَن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة. قال: فأقبل على جنوده، فقال: {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}؟ -قال: وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين- قال عفريت من الجن: {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك}. قال: وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء ثم يقوم، قال سليمان: أريد أعجلَ مِن ذلك. قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا أنظر في كتاب ربي، ثم آتيك به {قبل أن يرتد إليك طرفك}. فنظر إليه سليمان، فلما قطع كلامه ردَّ سليمان بصره، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان من تحت كرسيٍّ كان يضع عليه رجله ثم يصعد إلى السرير، فلما رأى سليمان عرشها مستقرًّا عنده قال: {هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر} إذ أتاني به قبل أن يرتد إليَّ طرفي، {أم أكفر} إذ جعل مَن هو تحت يدي أقدر على المجيء مني. ثم {قال نكروا لها عرشها}. {فلما جاءت} تقدمت إلى سليمان، قيل لها: {أهكذا عرشك}؟ قالت: {كأنه هو}. ثم قالت: لقد تركته في حصوني، وتركت الجنود محيطين به، فكيف جيء بهذا؟! ثم قالت: يا سليمان، إني أريد أن أسألك عن شيء، فأخبرني به. قال: سلي. قالت: أخبِرني عن ماء رواء لا مِن الأرض ولا مِن السماء. قال: وكان إذا جاء سليمان شيء لا يعلمه يسأل الإنس عنه، فإن كان عند الإنس منه علم وإلا سأل الجن، فإن لم يكن عند الجن علم سأل الشياطين، فقالت له الشياطين: ما أهون هذا، يا رسول الله، مُر بالخيل فتجري، ثم لتملأ الآنيةَ مِن عرقها. فقال لها سليمان: عرق الخيل. قالت: صدقت. قالت: فأخبِرني عن لون الرب.
قال ابن عباس: فوثب سليمان عن سريره، فخرَّ ساجدًا، فقامت عنه، وتفرقت عنه جنوده، وجاءه الرسول، فقال: يا سليمان، يقول لك ربُّك: ما شأنك؟ قال: يا رب، أنت أعلم بما قالت. قال: فإنّ الله يأمرك أن تعود إلى سريرك، فتقعد عليه، وترسل إليها وإلى مَن حضرها مِن جنودها، وترسل إلى جميع جنودك الذين حضروك فيدخلوا عليك، فتسألها وتسألهم عما سألَتْك عنه. قال: ففعل سليمانُ ذلك، فلما دخلوا عليه جميعًا قال لها: عمَّ سألتيني؟ قالت: سألتك عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء. قال: قلت لك: عرق الخيل. قالت: صدقت. قال: وعن أي شيء

الصفحة 549