كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 16)

سألتيني؟ قالت: ما سألتك عن شيء إلا عن هذا. قال لها سليمان: فلأيِّ شيء خررتُ عن سريري؟ قالت: كان ذلك لشيء لا أدري ما هو. فسأل جنودها، فقالوا مثل قولها، فسأل جنوده من الإنس والجن والطير وكل شيء كان حضره من جنوده، فقالوا: ما سألتْكَ -يا رسول الله- عن شيءٍ إلا عن ماء رواء. قال: وقد كان. قال له الرسول: يقول الله لك: ارجع، عد إلى مكانك، فإني قد كفيتكم. فقال سليمان للشياطين: ابنوا لي صرحًا تدخل عليَّ فيه بلقيس. فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض، فقالوا: سليمان رسول الله، قد سخر الله [له] ما سخر، وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلامًا، فلا ننفكُّ له من العبودية أبدًا. قال: وكانت امرأة شعراء الساقين، فقالت الشياطين: ابنوا له بنيانًا يرى ذلك منها فلا يتزوجها. فبنوا له صرحًا مِن قوارير، فجعلوا له طَوابِيق (¬١) من قوارير كأنه الماء، وجعلوا من باطن الطَّوابِيق كل شيء يكون مِن الدواب في البحر، من السمك وغيره، ثم أطبقوه، ثم قالوا لسليمان: ادخل الصرح. فألقي كرسيٌّ في أقصى الصرح، فلما دخله أتى الكرسي، فصعد عليه، ثم قال: أدخِلوا عَلَيَّ بلقيس. فقيل لها: {ادخلي الصرح}. فلما ذهبت تدخله، فرأت صورة السمك، وما يكون في الماء من الدواب؛ {حسبته لجة وكشفت عن ساقيها} لتدخل، وكان شعر ساقها ملتويًا على ساقيها، فلما رآه سليمانُ ناداها، وصرف وجهه عنها: {إنه صرح ممرد من قوارير}. فألقت ثوبها، وقالت: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}. فدعا سليمانُ الإنس، فقال: ما أقبح هذا؟! ما يُذْهِب هذا؟ قالوا: يا رسول الله، المواسي. فقال: الموسى تقطع ساقي المرأة. ثم دعا الشياطين، فقال مثل ذلك، فتلكؤوا عليه، ثم جعلوا له النورة.
قال ابن عباس: فإنّه لأول يوم رُؤِيَت فيه النورة. قال: واستنكحها سليمان - عليه السلام - (¬٢) [٤٨٨٤]. (١١/ ٣٧٧)
---------------
[٤٨٨٤] ذكر ابنُ عطية (٦/ ٥٤٠) عن مجاهد نحو ما جاء في هذا القول من أنّه كان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومَن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة. وذكر قولًا آخر، فقال: «وحكى الرماني: أنّ العرش حُمِل من مأرب إلى الشام في قدر رجع البصر». ثم علّق عليه بقوله: «وهي مسيرة شهرين للمُجِدِّ». ثم علّق على قول مجاهد بقوله: «وقول مجاهد: أشهر».
وعلّق ابنُ كثير (١٠/ ٤١٣) بعد أن نقل قول ابن أبي شيبة في هذا الأثر: «ما أحسنه من حديث»؛ فقال: «بل هو منكر غريب جدًّا، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم. والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما يوجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب -سامحهما الله تعالى -فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ».
وذكر ابنُ عطية أنه رُوي: أنّ الجن كانت تخبر سليمان بمناقل سيرها، فلما قربت قال: {أيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها}.
_________
(¬١) طوابيق: جمع طابِق: وهو العظيم من الزُّجاج واللَّبِن، تعريب تابه. المُغرِب للمطرّزي (طبق).
(¬٢) أخرجه ابن أبي شيبة -كما في تفسير ابن كثير ٦/ ٢٠٥ - ٢٠٦ - ، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٩٦ - ٢٨٩٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

الصفحة 550