كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 16)

السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضِعُه على فِيه، شاخِصٌ ببصره إلى العرش، ينتظر متى يُؤمَر». قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: «قرن». قال: وكيف هو؟ قال: «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات؛ الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين؛ يأمر الله - عز وجل - إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع. فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر، وهي التي يقول الله: {ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} [ص: ١٥]، فيسير الله الجبال فتكون سرابًا، وترج الأرض بأهلها رجًّا، وهي التي يقول الله: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة} [النازعات: ٦ - ٧]. فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المُعَلَّق بالعرش، ترجحه الأرواح، فيميد الناس على ظهرها، فتُذْهِل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله: {يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد} [غافر: ٣٢ - ٣٣]. فبينما هم على ذلك، إذ تصدَّعَتِ الأرضُ مِن قُطر إلى قُطْر، فرأوا أمرًا عظيمًا، وأخذهم لذلك مِن الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خُسِف شمسها، وخُسِف قمرها، وانتثرت نجومها، ثم كَشَطت عنهم». قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والأموات لا يعلمون بشيء مِن ذلك». فقال أبو هريرة: فمن [ثَمَّ] استثنى الله حين يقول: {ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}. قال: «أولئك الشهداء، وإنّما يَصِل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمَنَهم، وهو عذاب الله يبعثه على شِرار خلقه، وهو الذي يقول: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {ولكن عذاب الله شديد}» (¬١) [٤٩١٠]. (ز)
---------------
[٤٩١٠] ذَهَبَ ابنُ عطية (٦/ ٥٦٢) إلى أنّ المَلَكَ له ثلاث نفخات في الصور، كما ورد في أثر أبي هريرة - رضي الله عنهما -، وذكر قولًا آخر، فقال: «قالت فرقة: إنما هما نفختان. كأنهم جعلوا الفزع والصعق في نفخة واحدة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: ٦٨]، وقالوا:» أخرى «لا تُقال إلا في الثانية». ثم انتَقَدَ قولهم، فقال (٦/ ٥٦٣): «والقول الأول أصح، و» أخرى" تُقال في الثالثة، ومنه قول ربيعة بن مقروم:
ولقد شفعتهما بآخر ثالث
ومنه قوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: ٢٠] ".
_________
(¬١) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ١/ ٨٤ (١٠)، وأبو الشيخ في كتاب العظمة ٣/ ٨٢١ (٣٨٦) كلاهما مطولًا، وابن جرير ١٥/ ٤١٩، ١٦/ ٤٤٧ - ٤٤٩ واللفظ له، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٢٨ (١٦٦٢١)، ٩/ ٢٩٢٩ - ٢٩٣٠ (١٦٦٢٧)، من طريق إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة به.
إسناده ضعيف جدًّا؛ فيه إسماعيل بن رافع المدني، قال عنه ابن حجر في التقريب (٤٤٢): «ضعيف الحفظ». وفيه أيضًا يزيد ابن أبي زياد قال عنه ابن حجر في التقريب (٧٧١٧): «ضعيف، كبر فتغيّر، وصار يتلقن». وفيه جهالة شيخ يزيد، وجهالة الراوي عن أبي هريرة.

الصفحة 623