كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 16)
نَاوَأَهَا. ثُمَّ قَالَ:" اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ" أَيْ يَخْتَارُ. وَالِاجْتِبَاءُ الِاخْتِيَارُ، أَيْ يَخْتَارُ لِلتَّوْحِيدِ مَنْ يَشَاءُ." وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ" أَيْ يَسْتَخْلِصُ لِدِينِهِ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهِ." وَما تَفَرَّقُوا" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي قُرَيْشًا." إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ فَاطِرٍ:" وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ" «1» [فاطر: 42] يُرِيدُ نَبِيًّا. وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ:" فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ" [البقرة: 89] عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ «2». وَقِيلَ: أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ اخْتَلَفُوا لَمَّا طَالَ بِهِمُ الْمَدَى «3»، فَآمَنَ قَوْمٌ وَكَفَرَ قَوْمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ، دَلِيلُهُ فِي سُورَةِ الْمُنْفَكِّينَ" وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ" «4» [الْبَيِّنَةُ: 4]. فَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: لِمَ خُصَّ بِالنُّبُوَّةِ! وَالْيَهُودُ حسدوه لما بعث، وكذا النصارى." بَغْياً بَيْنَهُمْ" أَيْ بَغْيًا مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ طلبا للرئاسة، فَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمْ لِقُصُورٍ فِي الْبَيَانِ وَالْحُجَجِ، وَلَكِنْ للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا." وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ
«5» مِنْ رَبِّكَ" فِي تَأْخِيرِ الْعِقَابِ عَنْ هَؤُلَاءِ." إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى" قِيلَ: الْقِيَامَةُ، لقوله تعالى:" بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ"»
[القمر: 46]. وَقِيلَ: إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي قُضِيَ فِيهِ بِعَذَابِهِمْ." لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ" أَيْ بَيْنَ مَنْ آمَنَ وَبَيْنَ مَنْ كَفَرَ بِنُزُولِ الْعَذَابِ." وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ" يُرِيدُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى." مِنْ بَعْدِهِمْ" أَيْ مِنْ بَعْدِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ." لَفِي شَكٍّ" مِنَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. وَالْكِتَابُ هُنَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَقِيلَ:" إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ" قريش." مِنْ بَعْدِهِمْ" من بعد اليهود النصارى." لَفِي شَكٍّ" مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى" مِنْ بَعْدِهِمْ" مِنْ قَبْلِهِمْ، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَهُمُ الْيَهُودُ والنصارى.
__________
(1). راجع ج 14 ص 357
(2). راجع ج 2 ص 27
(3). لفظة المدى ساقطة من ك.
(4). راجع ج 17 ص 146
(5). راجع ج 20 ص 143 [ ..... ]
(6). راجع ج 11 ص 260
الصفحة 12
504