كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 16)

وَقِيلَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى يَكْتُبُونَ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ أَيْضًا: أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَقَالَ قِيلَهُ، وَشَكَا شَكْوَاهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
تمشي الوشاة جنابيها «1» وقيلهم ... إنك يا بن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
أَرَادَ: وَيَقُولُونَ قِيلَهُمْ. وَمَنْ رَفَعَ قِيلِهِ فَالتَّقْدِيرُ: وَعِنْدَهُ قِيلُهُ، أَوْ قِيلُهُ مَسْمُوعٌ، أَوْ قِيلُهُ هَذَا الْقَوْلُ «2». الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْمَعْنَى مَعَ وُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَحْسُنُ اعْتِرَاضًا وَمَعَ تَنَافُرِ النَّظْمِ. وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ الْجَرُّ وَالنَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَحَذْفِهِ. وَالرَّفْعُ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَيْمَنُ اللَّهِ وَأَمَانَةُ اللَّهِ وَيَمِينُ اللَّهِ وَلَعَمْرُكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ" إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ" جَوَابُ الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَقْسَمَ بِقِيلِهِ يَا رَبِّ، أَوْ قِيلِهِ يَا رَبِّ قَسَمِي، إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: ويجوز في العربية" وقيله" بالرفع، عَلَى أَنْ تَرْفَعَهُ بِإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ. الْمَهْدَوِيُّ: أَوْ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ وَقِيلِهِ قِيلُهُ يَا رَبِّ، فَحَذَفَ قِيلَهُ الثَّانِي «3» الَّذِي هُوَ خَبَرٌ، وَمَوْضِعُ" يَا رَبِّ" نُصِبَ بِالْخَبَرِ الْمُضْمَرِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ امْتَنَعَ حَذْفُ بَعْضِ الْمَوْصُولِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، لِأَنَّ حَذْفَ الْقَوْلِ قَدْ كَثُرَ حَتَّى صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ. وَالْهَاءُ فِي" قِيلِهِ" لِعِيسَى، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ إِذْ قال" قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ" [الزخرف: 81]. وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ" يَا رَبَّ" بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَالْقِيلُ مَصْدَرٌ كَالْقَوْلِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ] نَهَى عَنْ قِيلٍ وَقَالٍ [. وَيُقَالُ: قُلْتُ قَوْلًا وَقِيلًا وَقَالًا. وَفِي النِّسَاءِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا «4» [النساء: 122].

[سورة الزخرف (43): آية 89]
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قَالَ قَتَادَةُ: أُمِرَ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ، فَصَارَ الصَّفْحُ مَنْسُوخًا بِالسَّيْفِ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عباس قال:" فَاصْفَحْ عَنْهُمْ" أي أَعْرِضْ عَنْهُمْ." وَقُلْ سَلامٌ" أَيْ مَعْرُوفًا، أَيْ قل لمشركي أَهْلِ مَكَّةَ" فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" ثُمَّ نُسِخَ هَذَا فِي سُورَةِ" بَرَاءَةٌ" بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" «5» [التوبة: 5] الْآيَةَ. وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ. وَقِرَاءَةُ العامة" فسوف
__________
(1). أي ناحيتيها.
(2). أو قيله هذا القول ساقط من ح وفي ز ل وفيه هذا القول. [ ..... ]
(3). في الأصول:" الأول".
(4). آية 122.
(5). آية 5.

الصفحة 124