كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 16)
أَوْ بَدَلٌ. وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ. وَالْعَامِلُ فِي" يَوْمئِذٍ"" يَخْسَرُ"، وَمَفْعُولُ" يَخْسَرُ" مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى يَخْسَرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي الجنة.
[سورة الجاثية (45): آية 28]
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً" أَيْ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالْأُمَّةُ هُنَا: أَهْلُ كُلِّ مِلَّةٍ. وَفِي الْجَاثِيَةِ تَأْوِيلَاتٌ خَمْسٌ: الْأَوَّلُ- قَالَ مُجَاهِدٌ: مُسْتَوْفِزَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْمُسْتَوْفِزُ الَّذِي لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْهُ إِلَّا رُكْبَتَاهُ وَأَطْرَافُ أَنَامِلِهِ. الضَّحَّاكُ: ذَلِكَ عِنْدَ الْحِسَابِ. الثَّانِي- مُجْتَمِعَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَتَرَى أَهْلَ كُلِّ دِينٍ مُجْتَمِعِينَ. الثَّالِثُ- مُتَمَيِّزَةٌ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. الرَّابِعُ- خَاضِعَةٌ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، قَالَهُ مُؤَرِّجٌ. الْخَامِسُ- بَارِكَةٌ عَلَى الرُّكَبِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالْجَثْوُ: الْجُلُوسُ عَلَى الرَّكْبِ. جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيَجْثِي جُثُوًّا وَجُثِيًّا، على فعول فيهما، وَقَدْ مَضَى فِي" مَرْيَمَ" «1»: وَأَصْلُ الْجُثْوَةِ «2»: الْجَمَاعَةُ من كل شي. قَالَ طَرَفَةُ يَصِفُ قَبْرَيْنِ:
تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدٍ «3»
ثم قيل: هو خاص بالكفار، قاله يحي بْنُ سَلَّامٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ انْتِظَارًا لِلْحِسَابِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" كَأَنِّي أَرَاكُمْ بِالْكَوْمِ «4» جَاثِينَ دُونَ جَهَنَّمَ" ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَسَاعَةٌ هِيَ عَشْرُ سِنِينَ يَخِرُّ النَّاسُ فِيهَا جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُنَادِيَ" لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي"." كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا" قَالَ يَحْيَى ابن سَلَّامٍ: إِلَى حِسَابِهَا. وَقِيلَ: إِلَى كِتَابِهَا الَّذِي كَانَ يَسْتَنْسِخُ لَهَا فِيهِ مَا عَمِلَتْ مِنْ خير وشر،
__________
(1). راجع ج 11 ص 132.
(2). مثلثة الجيم.
(3). الصم: الصلب. والمنضد: الذي جعل بعضه على بعض.
(4). الكوم: المواضع المشرفة.
الصفحة 174