كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 16)
[سورة الشورى (42): آية 47]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ" أَيْ أَجِيبُوهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَالطَّاعَةِ. اسْتَجَابَ وَأَجَابَ بِمَعْنًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ." مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ" يُرِيدُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَيْ لَا يَرُدُّهُ أحد بعد ما حَكَمَ اللَّهُ بِهِ وَجَعَلَهُ أَجَلًا وَوَقْتًا." مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ" أَيْ مِنْ مَلْجَأٍ يُنْجِيكُمْ مِنَ الْعَذَابِ." وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ" أَيْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: النَّكِيرُ بِمَعْنَى الْمُنْكَرِ، كَالْأَلِيمِ بِمَعْنَى الْمُؤْلِمِ، أَيْ لَا تَجِدُونَ يَوْمئِذٍ مُنْكِرًا لِمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَهُ الْكَلْبِيُّ. الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُنْكِرُوا الذُّنُوبَ الَّتِي يُوقَفُونَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ:" مِنْ نَكِيرٍ" أَيْ إِنْكَارِ مَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَالنَّكِيرُ وَالْإِنْكَارُ تَغْيِيرُ المنكر.
[سورة الشورى (42): آية 48]
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِنْ أَعْرَضُوا" أَيْ عَنِ الْإِيمَانِ" فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً" أَيْ حَافِظًا لِأَعْمَالِهِمْ حَتَّى تُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: مُوَكَّلًا بِهِمْ لَا تُفَارِقُهُمْ دُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا، أَيْ لَيْسَ لَكَ إِكْرَاهُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ." إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ" وَقِيلَ: نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ الْقِتَالِ." وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ" الْكَافِرَ." مِنَّا رَحْمَةً" رَخَاءً وَصِحَّةً." فَرِحَ بِها" بَطِرَ بِهَا." وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ" بَلَاءٌ وَشِدَّةٌ." بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ" أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النِّعْمَةِ فَيُعَدِّدُ الْمَصَائِبَ وينسى النعم.
الصفحة 47
504