كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 16)

يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم، ولا يظن أنه أمر بإتلافه؛ لأنه مال الغانمين، ولأنه - عليه السلام - نهى عن إضاعة المال، فإن قلت: لم ينقل أنهم حملوه إلى القسمة، فالجواب: ولا نقل أيضًا أنهم أخرجوه ولا أتلفوه، فوجب تأويله على وفق القواعد الشرعية، بخلاف لحم الحمر الأهلية يوم خيبر؛ لأنها صارت نجسة (¬1).
وأجاز قسم الغنم والبقر والإبل بغير تقويم مالك. والكوفيون وأبو ثور إذا كان ذلك على التراضي. وقال الشافعي: لا يجوز قسم شيء من الحيوان بغير تقويم، حجة من أجاز ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قسم الغنائم وكانت أكثر غنائم خيبر الإبل والغنم، ولم يذكر في شيء من ذلك تقويم.
قالوا: وتعديل الغنم بالغنم والبقر بالبقر، والإبل بالإبل جائز على التراضي في القسمة، ولا ربا يدخلها؛ لأنه يجوز فيها التفاضل يدًا بيد، ومن حجة الشافعي أن قسمته - صلى الله عليه وسلم - الغنم مع الإبل إنما كانت على طريق القيمة، ألا ترى أنه عدل عشرة من الغنم ببعير! وهذا هو معنى التقويم (¬2). قال القرطبي: وهذِه الغنيمة لم يكن فيها غير الإبل والغنم، ولو كان فيها غير ذلك لقوَّم جميعها وقسمه على القيمة (¬3) والإبل والغنم لا واحد لهما من لفظهما، وإنما واحد الإبل جمل وناقة، وواحد الغنم كبش وشاة.
وقوله: (ندّ) أي: ذهب على وجهه، وقد أسلفنا أن معناه هرب، يقال: ندّ ندًّا أو ندودًا، و (أهوى إليه رجل بسهم) أي: ردَّ يده إليه
¬__________
(¬1) "شرح صحيح مسلم" 13/ 126 - 127.
(¬2) انظر: "شرح ابن بطال" 7/ 9.
(¬3) "المفهم" 5/ 375.

الصفحة 62