كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 16)

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا"
ــ
كوفيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشر الناس) أي من أخسِّ الناس (عند الله منزلة) أي درجة (يوم القيامة) قال القاضي: هكذا وقعت الرواية أشر بالألف وأهل النحو يقولون: لا يجوز أشر وأخير، وإنما يقال: هو شر منه وخير منه بدون ألف وهو مشهور كلام العرب قال تعالى: {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} وقد وردت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهي حجة في جوازهما جميعًا، وأنهما لغتان، وقال الجوهري: شر فيه معنى التفضيل لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، ولا يقال أشر إلا في لغة رديئة وكذا خير اهـ، وذكر الفيومي أنها لغة بني عامر وقُرئ في الشاذ {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} بفتح الشين المعجمة اهـ، وقال القاضي: الرواية وقعت بالألف وهي تدل على عدم رداءتها اهـ (الرجل) بالنصب على أنه اسم إن مؤخرًا، وجملة (يُفضي إلى امرأته) أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة قال تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} صفة للرجل، قال السندي: الظاهر أن تعريف الرجل للجنس، ولم يقصد به معين فهو في حكم النكرة فلذلك وصف بالجملة المصدرة بالمضارع، ومثله قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، وقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
والله تعالى أعلم
أي من أخس الناس الرجل يفضى إلى امرأته ويجامعها (وتفضي) أي وتصل هي (إليه) بالتمكين له، قال في لسان العرب: والإفضاء في الحقيقة الانتهاء (ثم ينشر) ويفشي (سرها) بأن يتكلم للناس ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا أو يُفشي عيبًا من عيوبها أو يذكر من محاسنها ما يجب شرعًا أو عرفًا سترها اهـ من المرقاة.
قال النووي: وهذا في الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحو ذلك، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليها إعراضه عنها أو تدعي

الصفحة 12