كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 16)

قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: ادْخُلْ. فَوَاللهِ، مَا جَاءَ بِكَ، هذِهِ السَّاعَةَ، إلا حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ. فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً. مُتَوسِّدٌ وسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ! الْمُتَلاعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَال: سُبْحَانَ الله! نَعَم. إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. قَال: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمِ. وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ
ــ
خبر مبتدإ محذوف أو أأنت ابن جبير، قال سعيد: (قلت) له: (نعم) أنا ابن جبير (قال) لي ابن عمر (ادخل) فقد أذنا لك (فوالله ما جاء بك هذه الساعة) أي ساعة الاستراحة من حر الظهيرة (إلا حاجة) شديدة وضرورة نازلة، قال سعيد: (فدخلت) عليه (فإذا هو مفترش برذعة) أي فرشها تحته، يقال فرش البساط وافترشه إذا جعله تحته وقاية من الأرض، والبرذعة بالدال المهملة وبالذال المعجمة حلس يجعل تحت الرحل يجمع على برادع بالضبطين اهـ من المصباح، قال القاضي: وفي غير مسلم (برذعة رحله) أي رحل بعيره اهـ (متوسد وسادة حشوها ليف) أي لحى النخل أو الكلأ اليابس، وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه وتقلله من الدنيا، واحتمال ابن عمر لما علم من شاهد الحال أنها مهمة اهـ من إكمال المعلم. قال سعيد: (قلت) له يا (أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر (المتلاعنان أيفرّق) أي هل يفرق (بينهما) أم لا؟ قال ابن العربي: فيه دعاء العالم بكنيته تكرمة له ولا يزيد (قال) ابن عمر: (سبحان الله نعم) يفرق بينهما، وقوله سبحان الله هو تعجب من جهله ذلك وهي كلمة تقال عند التعجب والإنكار اهـ من الأبي (إن أول من سأل عن ذلك) أي عن سبب اللعان (فلان بن فلان) قال القرطبي: هو والله أعلم عويمر بن الحارث العجلاني اهـ من المفهم. وهذا هو الصواب وسيأتي في حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن السمحاء وكان أول رجل لاعن في الإسلام، لكن القصة التي أوردها مسلم هنا هي قصة عويمر العجلاني بعينهما على ما يظهر من صحيح البخاري اهـ من بعض الهوامش (قال) ذاك السائل يعني فلان بن فلان (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (أن) مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن و (لو) شرطية (وجد أحدنا امرأته على فاحشة) فعل شرط للو، وجملة (كيف يصنع) جوابها، والمعنى أخبرني يا رسول الله أنه لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع بها (إن تكلم تكلم بأمر عظيم) هو القذف لها لما فيه من الفضيحة (وإن سكت) عنها (سكت على مثل ذلك)

الصفحة 329