كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 16)

أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ قَالتْ: لَا. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنَّهُ لَكَاذِبٌ. فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ فَرَّقَ بَينَهُمَا
ــ
(أهون من عذاب الآخرة قالت) المرأة: (لا) أي ما زنيت يا رسول الله (والذي بعثك بالحق إنه لكاذب) على (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان (بالرجل) لأنه القاذف فيدرأ الحد عن نفسه ولأنه هو الذي بدأ الله تعالى به ولأن أيمانه كالشهادة على دعواه فتسقط الحد عنه (فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) فيما رماها به أي حلف بالله أربع أيمان إنه لمن الصادقين فيما يقول عليها، والعرب تقول: أشهد بالله أي أحلف به، وكما قال شاعرهم:
فأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا
وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: هي شهادات محققة من المتلاعنين على أنفسهما وابتنى على هذا الخلاف في لعان الفاسقين والعبدين فعند الجمهور يصح، وعند أبي حنيفة لا يصح اهـ من المفهم باختصار (و) المرة (الخامسة) يقول فيها: (أن لعنة الله) أي طرده من رحمته (عليه) أي على ذلك الملاعن (إن كان من الكاذبين) عليها فيما رماها به من الزنا (ثم ثنى) النبي صلى الله عليه وسلم (بالمرأة) أي جعلها ثانية في اللعان لأن لعانها لإسقاط حد الزنا الذي وجب عليها بلعانه (فشهدت) أي حلفت (أربع شهادات بالله) أي أربع أيمان (إنه لمن الكاذبين) عليّ فيما رماني به (والخامسة) تقول فيها (أن غضب الله) أي سخطه وبغضه (عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به، قال النووي: وهذه ألفاظ اللعان وهي مجمع عليها لا خلاف فيها.
والحكمة في اختصاص لعان المرأة بالغضب ولعان الرجل باللعن أن جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف، والغضب أعظم من اللعن لأن الغضب إرادة الانتقام، واللعن البعد والطرد فجعل الأغلظ مع الأغلظ وغير الأغلظ مع غير الأغلظ اهـ من البيجوري على ابن قاسم.
(ثم فرَّق) النبي صلى الله عليه وسلم (بينهما) أي بين المتلاعنين فيه دليل ظاهر للحنفية على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان وإنما تقع بحكم الحاكم بعد اللعان وهو

الصفحة 331