كتاب أثر تاريخ النص الحديثي في توجيه المعاني

المثال الثالث: ما أَخْرَجَهُ الإمَامُ مَالِكٌ في الموطأ من رواية يَحْيَى فقال: "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ، أَسْرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ وَقَالَ لِبِلالٍ: «اكْلا لَنَا الصُّبْحَ»، وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَلأَ بِلالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا بِلالٌ، وَلا أَحَدٌ مِنَ الرَّكْبِ، حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ. فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بِلالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَادُوا، »، فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالاً فَأَقَامَ الصَّلاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلاةَ: " مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} ". (1)

قَالَ ابنُ عَبْد البَر في الاستذكار: "وقول ابن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى - أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرْجِعُهُ مِن غَزَاةِ حُنَين، وفي حديث ابن مَسْعُودٍ أَنَّ نَوْمَهُ ذَلِكَ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وذلك في زَمَن خَيْبَر، وكذلك قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَهْلُ السِّيَرِ إِنَّ نَوْمَهُ عَنِ الصَّلاةِ كَانَ حِينَ قُفُولِهِ مِنْ خَيْبَرَ (2)، وَالْقُفُولُ الرُّجُوعُ مِنَ السَّفَرِ وَلا يُقَالُ قَفَلَ إِذَا سَارَ مُبْتَدِئًا". (3)، ثم قال في موضع آخر: " وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ أَنَّ ذَلِكَ النَّوْمَ كَانَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي بَعْضِهَا زَمَنَ خَيْبَرَ وَفِي بَعْضِهَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ وَاحِدًا لأَنَّ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَتْ زَمَنَ خَيْبَرَ
__________
(1) مالك بن أنس الأصبحي المدني، الموطأ، باب النَّوْمُ عَنِ الصَّلاَةِ، كتاب وُقُوت الصَّلاَةِ (2/ 19)، رقم: 35.
(2) إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت: 774 هـ)، السيرة النبوية، (3/ 403).
(3) يوسف بن عبد الله بن عبد البر، الاستذكار، (1/ 74).

الصفحة 27