كتاب أثر تاريخ النص الحديثي في توجيه المعاني

مَكَّةَ فَكَانَ لاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ كَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا فِي الْمَدِينَةِ فَلِلسُّؤَالِ عَنِ الأَحْكَامِ". (1)

المثال الثاني: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ من حديث عُوَيْمِرٌ الْعَجْلانِيِّ رضى الله عنه، أنَّه أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَاتِ بِهَا»، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَامُرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاعِنَيْنِ» ". (2)

قَالَ النَّووي في شرح مسلم: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ؟ ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلانِيِّ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ أَوَّلا لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي قصة هلال، قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لاعَنَ فِي الإِسْلامِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي: قَالَ الأَكْثَرُونَ قِصَّةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَسْبَقُ مِنْ قِصَّةِ الْعَجْلانِيِّ، قَالَ: وَالنَّقْلُ فِيهِمَا مُشْتَبِهٌ ومختلف. وقال ابن الصَّبَّاغِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ فِي قِصَّةِ هِلالٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ أَوَّلا، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُوَيْمِرٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ هِلالٍ؛ لأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ
__________
(1) ابن حجر العسقلاني, فتح الباري شرح صحيح البخاري، (7/ 171).
(2) مسلم، الجامع الصحيح، بَابُ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، كِتَابُ الطَّلاقِ، (2/ 1129)، رقم: 1492.

الصفحة 38