كتاب أثر تاريخ النص الحديثي في توجيه المعاني

عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلا فِي وَقْتَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِمَا وَسَبَقَ هِلالٌ باللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَذَا وَفِي ذَاكَ وَأَنَّ هِلالا أَوَّلُ مَنْ لاعَنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالُوا وَكَانَتْ قِصَّةُ اللِّعَانِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمِمَّنْ نقله القَاضِي عِياضٍ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ". (1)

قلت: تَعقب الحافظ ابْنُ حَجَرٍ الإمامَ النَّوَوي في الفتح فَقَالَ: "عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ، قَالَ: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ شهِدت الْمُتَلاعِنَيْنِ وَأَنا ابن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لَكِنْ جَزَمَ الطَّبَرِيِّ وجماعة من العلماء، بِأَنَّ اللِّعَانَ كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ (2)، أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ بِمُنْصَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ؛ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ فَلا بُدَّ مِنْ تَاوِيلِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَإِلا فَطَرِيقُ شُعَيْبٍ أَصَحُّ، وَمِمَّا يُوهِنُ رِوَايَةَ الْوَاقِدِيِّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى تَبُوكَ كَانَ فِي رَجَبٍ وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، وَفِي قِصَّتِهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ اسْتَاذَنَتْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَخْدُمَهُ فَأَذِنَ لَهَا بِشَرْطٍ أَنْ لا يَقْرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لا حِرَاكَ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَنْ مَضَى لَهُمْ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَكَيْفُ تَقَعُ قِصَّةُ اللِّعَانِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي انْصَرَفُوا فِيهِ مِنْ تَبُوكَ
__________
(1) يَحْيَى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، (10/ 119 - 120).
(2) أخرجه الإمام علي بن عمر بن أحمد، أبو الحسن الدراقطني (ت: 385 هـ)، في السنن، باب المهر، كتاب النكاح، (4/ 417)، رقم: 3709، الحديث ضعيف جدًا فيه محمد بن عمر الواقدي متروك، انظر: تهذيب التهذيب، (9/ 363)، مما يؤيد ترجيح الحافظ أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ لم تكن سَنَة تِسْعٍ؛ كانت فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الصفحة 39