كتاب أثر تاريخ النص الحديثي في توجيه المعاني

المثال الثالث: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللهُ»، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللهُ»، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: «اللهُ»، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، ... ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» ". (1)

قَالَ ابنُ عَبْد البَر في الاستذكار بعد الإشارة للحديث: "وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ مُفْتَرَضًا فِي حِينِ سُؤَالِ هَذَا الأَعْرَابِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الإِسْلامِ وَشَرَائِعِهِ وَهَذَا لا مَعْنَى لَهُ؛ لأَنَّ الأَعْرَابِيَّ هُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بن بكر وفي خبره من رواية ابن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ ذِكْرُ الْحَجِّ وَكَانَ قُدُومُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ السِّيَرِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَيْسَ مَنْ قَصَّرَ عَنْ حِفْظِ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ حَفِظَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَالآخِرُ عَلَى التَّرَاخِي". (2)
__________
(1) مسلم، الجامع الصحيح، بَابٌ فِي بَيَانِ الإِيمَانِ بِاللهِ، كِتَابُ الْإِيمَانَ، (1/ 41)، رقم: 12.
(2) يوسف بن عبد الله بن عبد البر، القرطبي، الاستذكار، (2/ 373).

الصفحة 46