كتاب عش مع الخلفاء والملوك

ظهور ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سير الحكم لا على الإطلاق بل المراد برهة من الوقت فقال - صلى الله عليه وسلم -: «الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة والأمانة في الأزد» (¬1)، ولا يكون على الإطلاق ما لم يتمسك الملك بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصا وروحا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» (¬2).
أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (¬3)، في بعض طرق الحديث الصحيحة «كلهم يجتمع عليه الناس» فالمراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر - رضي الله عنه -، ثم عمر - رضي الله عنه -، ثم عثمان - رضي الله عنه -، ثم علي - رضي الله عنه -، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فلقب معاوية يومئذ بالخليفة، ثم اجتمع الناس على معاوية - رضي الله عنه - عند صلح الحسن - رضي الله عنه -، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين - رضي الله عنه - أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم
¬_________
(¬1) أحمد حديث (8761) رجاله ثقات.
(¬2) مسلم حديث (1218).
(¬3) مسلم حديث (1821).

الصفحة 15