كتاب عش مع الخلفاء والملوك

نشير عليك بقتلها، قال: بئس الرأي أشرتم، أيحسن بمثلي أن يتحدث عنه أنه قتل امرأة بعد أن ظفر، فكتب إلى عامله بالكوفة أن أوفد إليّ الزرقاء بنت عدي مع ثقة من محرمها وعِدة من فرسان قومها ومهد لها وطاءً ليناً، واسترها بستر حصيف، وأوسع عليها في النفقة".
فأرسل إليها فاقرأها الكتاب فقالت: "أما أنا فغير زائغة عن طاعة؛ فإن كان أمير المؤمنين جعل الاختيار لي لم أرم من بلدي هذا، وإن كان حتم الأمر فالطاعة له" فحملها في هودج جعل متناه خزا مبطنا بعصب اليمن، ثم أحسن صحبتها، فلما قدمت على معاوية قال لها: "مرحبا وأهلا، خير مقدم أقدموك وأفضل، كيف أنت يا خالة؟ ، وكيف كان مسيرك؟ " قالت: "خير مسير؛ كأني كنت ربيبة بيت، أو طفلا في مهد"، قال "بذاك أمرتهم، فهل تعلمين لم بعثت اليك؟ "، قالت: "لا يعلم الغيب إلا الله"، قال: "ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفين توقدين الحرب وتحضين عليها؟ "، قالت: بلى، قال: "فما حملك على ذلك؟ "، قالت: "يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس وبتر الذنب، والدهر ذو غِيَر، ومن تذكر أبصر، والأمر يحدث بعد الأمر"، قال لها: "صدقت فهل تحفظين كلأمك؟ "، قالت: "والله ما أحفظه"، قال: "لكني والله أحفظه، لله أبوك لقد سمعتك تقولين: أيها الناس إنكم في فتنة غشيتكم جلابيب الظلم، وحادت بكم عن قصد المحجة، يا لها من فتنة عمياء صماء، لا يُسمع لداعيها ولا يُنقاد لسائقها، أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس، وإن الكوكب لا ينير في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس، وإن الدق لا يوازي الحجر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، إن الحق كان يطلب ضالة فأصابها، فصبرا يا معاشر المهاجري والأنصار على المضض، فكان قد التأم شعب الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف وأنَّى، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولله عاقبة الأمور، إن خضاب النساء الحناء، وإن

الصفحة 19