كتاب عش مع الخلفاء والملوك
خضاب الرجال الدماء، ولهذا ما بعده والصبر خير في العواقب، إِيْهِ إلى الحرب قُدُما غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده".
قال معاوية: "يا زرقاء لقد اشركت عليا في كل دم سفكه"، فقالت: "أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، مثلك من بشر بخير سَرَّ"، قال لها: "وقد سرك ذلك؟ "، قالت: "نعم وأنَّى لي بتصديقه"، فقال معاوية: "والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إليَّ من حبكم له في حياته، أذكري حاجتك"، فقالت: "يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي ألا أسال أحدا أعنت عليه أبدا شيئا، ومثلك من أعطى من غير مسالة، وجاد عن غير طلبة"، قال: صدقت، ثم أقطعها ضيعة استغلتها في أول سنة عشرة آلاف درهم (¬1).
ولم يرض معاوية من أخته أم الحكم تفضيله على علي رضي الله عنهما، بل قال لها معاوية: "يا أختاه لا يَكذبَنَّك ظنك، ولا يبعد عنك ذهنك، والله ما عادلتُ عليا قط، فكيف وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم من ولد إبراهيم الخليل - عليه السلام -، وكان عبد المطلب بن هاشم جواد العرب، وفارس الكُرب، المطعم بالسَّغَب، وكان أبو طالب السهل الطريقة، الحامي الحقيقة، وكان علي بن أبي طالب قاضي الأمة، وأعظمهم فخرا، وأكرمهم مجدا، حامي الذمار، عزيز الجار، صهر الرسول، وسيد الكهول، وزوج البتول، فأيم الله لأُصْبِحَنَّ جالسا ولأُسْمِعَنَّكِ ممن وفد عليَّ من سائر العرب خلاف ما ظننت، وغير ما وصفت" (¬2).
وأخذ معاوية يستثير من يدخل عليه ليسمع أخته ثناءهم على عليِّ - رضي الله عنه -، لتعلم أن المقدم علي رضي الله عنهما.
¬_________
(¬1) أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان 1/ 63.
(¬2) أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان 1/ 63.
الصفحة 20
114