كتاب الأحكام السلطانية للماوردي
وَالثَّانِي: يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَإِنْ قُتِلُوا بَغْيًا، وَقَدْ صَلَّى الْمُسْلِمُونَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَصُلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنْ قُتِلُوا ظُلْمًا وَبَغْيًا، وَلَا يَرِثُ بَاغٍ قَتَلَ عَادِلًا، وَلَا عَادِلٌ قَتَلَ بَاغِيًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ" 1.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أُورِثُ الْعَادِلَ مِنَ الْبَاغِي؛ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ، وَلَا أُورِثُ الْبَاغِيَ مِنَ الْعَادِلِ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أُورِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ فِي قَتْلِهِ، وَإِذَا مَرَّ تُجَّارُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِعَشَّارِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَعَشَّرَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ عُشِّرُوا، وَلَمْ يُجْزِهِمُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُمْ مَرُّوا بِهِمْ مُخْتَارِينَ، وَالزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُقِيمِينَ الْمُكْرَهِينَ، وَإِذَا أَتَى أَهْلُ الْبَغْيِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ حُدُودًا، فَفِي إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ وَجْهَانِ
__________
1 صحيح: رواه الترمذي في كتاب الفرائض "2109"، وابن ماجه في كتاب الديات "2645"، وصحَّحه الشيخ الألباني.
الصفحة 104