كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

وغيرهما، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي -صلى الله عليه وسلم".
وناقش البلقيني النووي فيما اعتمده، وذكر أن ما قاله ابن الصلاح محكي عن كثير من فضلاء المذاهب الأربعة وأنه مذهب أهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن طاهر المقدسي فألحق به ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة1: "الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم، خلافًا لمن أبى ذلك، قال: وهو أنواع، منها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فإنه احتف به قرائن منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر إلا أن هذا مختص بما لم ينقده أحد من الحفاظ وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته".
ثم قال: ومنها المشهور، إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل، ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبًا كحديث يرويه أحمد مثلا، ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته".
قال: "وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلا للعالم المتبحر في الحديث، العارف بأحوال الرواة والعلل، وكون غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور". انتهى قال ابن كثير: "وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه". قال السيوطي: "قلت وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه". ا. هـ.
__________
1 ص7 القاهرة، المطبعة الميمنية 1038هـ.

الصفحة 86