كتاب الفتاوى الهندية (اسم الجزء: 4)

اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْمَشَايِخِ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ قَالُوا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْعَمَلِ لَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَمَلُ فِي حَقِّهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ بِالْعَمَلِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا لِيُقَصِّرَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا شَهْرًا لِيَخْدُمَهُ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا صَحِيحَةٌ بِدُونِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَبَيْنَ الْمُدَّةِ وَذَكَرَ الْعَمَلَ أَوَّلًا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا مَثَلًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِدِرْهَمٍ شَهْرًا يُعْتَبَرُ هُوَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إلَّا إذَا صَرَّحَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا هُوَ حُكْمُ أَجِيرِ الْوَحْدِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِدِرْهَمٍ يُعْتَبَرُ هُوَ أَجِيرَ وَحْدٍ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ إلَّا إذَا نَصَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا هُوَ حُكْمُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَيَقُولُ وَتَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ عَمَلِهِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ. كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَحُكْمُ أَجِيرِ الْوَحْدِ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا حَتَّى أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْ عَمَلِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا إذَا خَالَفَ فِيهِ وَالْخِلَافُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ فَيَعْمَلَ غَيْرَهُ فَيَضْمَنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ حِينَئِذٍ هَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

وَحُكْمُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ، وَإِنَّهُ قِيَاسٌ سَوَاءٌ هَلَكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ " كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ أَوْ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْغَالِبَةِ وَالْمُكَابَرَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنْ هَلَكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ هَلَكَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا ضَمَانَ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَبَعْضُهُمْ أَفْتَوْا بِالصُّلْحِ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقُلْت لَهُ يَوْمًا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ يُفْتِي بِالصُّلْحِ هَلْ يُجْبِرُ الْخَصْمَ لَوْ امْتَنَعَ قَالَ كُنْت أُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي الِابْتِدَاءِ فَرَجَعْت لِهَذَا وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَفِي الْإِبَانَةِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ أَفْتَى. كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ يَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ. كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مُحْدَثًا فِيهِ عَمَلٌ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا لِيَعْمَلَ لَهُ غِلَافًا أَوْ سَيْفًا لِيَعْمَلَ لَهُ جِهَازًا أَوْ سِكِّينًا لِيَعْمَلَ لَهَا نِصَابًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ أَوْ السَّيْفُ أَوْ السِّكِّينُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا. كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مُصْحَفًا يَنْقُطُهُ بِأَجْرٍ فَضَاعَ غِلَافُهُ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِيَرْفُوهُ فِي مِنْدِيلٍ فَضَاعَ الْمِنْدِيلُ وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِيزَانًا لِيُصْلِحَ كِفَّتَيْهِ فَضَاعَ الْعُودُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمِيزَانُ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَانِيَّةِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فِي الْعَقْدِ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ. كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الْعَمَلِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِي لَهُ الْأَجْرَ وَيَحُطُّ الْأُجْرَةَ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ. كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَمَا

الصفحة 500