كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

(أنا من نور الله , نطقت على لسان عيسى بن مريم في المهد , فآدم وشيث ونوح وسام وإبراهيم وإسماعيل وموسى ويوشع وعيسى وشمعون ومحمد كلنا واحد , من رآنا فقد رآهم ... أنا أحيي وأميت وأخلق وأرزق, وأبرئ الأكمه والأبرص , وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي , وكذلك الأئمة المحقون من ولدي لأنا كلنا شيء واحد) (¬1).

وذكروا عن راشد الدين بن سنان السوري الداعي الإسماعيلي أنه قال:
(ظهرت بدرو نوح فغرقت الخلائق ... وظهرت في دور إبراهيم على ثلاث مقالات ... خرقت السفينة , وقتلت الغلام , وأقمت الجدار , .. ثم ظهرت بالسيد المسيح , فمسحت بيدي الكريمة عن أولادي الذنوب , وكنت بالظاهر شمعون - إلى آخر الهفوات والخرافات) (¬2).

فهذه الروايات تدل صراحة على إعتقاد القوم بالحلول والتناسخ , وأن أئمتهم خلقوا من نور الله الذي لم يتغير ولم يتبدل , ولكن هذا النور كان يحل في أجسام مختلفة في أزمنة مختلفة , وكان يلبس ألبسة متنوعة متفرقة , فبذلك الجسد واللباس كان يسمّى بتلك الأسماء , فتارة بآدم , وتارة بنوح , وتارة بإبراهيم , وتارة بموسى , وتارة بعيسى , وتارة بمحمد , مع أن هذا النور كان بجوهره واحدا.
فهذا عين ما قالته الصوفية حيث سمّوا ذلك النور الأزلي , والجوهر الأصلي الحقيقة المحمدية والصورة المحمدية , فهذه الحقيقة هي التي كانت تتجلى في أجسام مختلفة , وتنادي بذلك الاسم , فاختلف أسماؤها حسب الزمان والأجساد , مع أنها كانت واحدة , كما يقول الجيلي:

(أعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره , وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين , ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس , فيسمى به باعتبار لباس , ولا يسمى به باعتبار لباس آخر , فاسمه الأصلي الذي هو له محمد , وكنيته أبو القاسم , ووصفه عبد الله , ولقبه شمس الدين , ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام , وله في كل زمان اسم ما يليق بلباسه في
¬_________
(¬1) كتاب بيت الدعوة الإسلامية نسخة خطية ص 10 نقلا عن تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب الإسماعيلي ص 81 , 82.
(¬2) أجزاء عن العقائد الإسماعيلية , كتاب الداعي إبراهيم تقديم المستشرق الفرنساوي كويارد ط أمبيرين نيشنل بريس 1784 م.

الصفحة 225