كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

والتطهر بالظواهر عن الأنجاس , وبالبواطن عن الأهجاس.

وقال الله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}. ثم لصفاء أسرارهم تصدق فراستهم.

قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألقى في روعي أن ذا بطن بنت خارجة , فكان كما قال.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الحق لينطق على لسان عمر).
وقال أبو أويس القرني لهرم بن حيان حين سلم عليه: وعليك السلام يا هرم بن حيان , ولم يكن رآه قبل ذلك , ثم قال له: عرف روحي روحك.
وقال أبو عبد الله الأنطاكي: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في أسراركم ويخرجون من هممكم.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سره وطهارة قلبه ونور صدره فهو في الصف الأول , لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب) ثم وصفهم وقال: (الذين لا يرقون ولا يسترقون , ولا يكوون ولا يكتوون , وعلى ربهم يتوكلون).
فلصفاء أسرارهم , وشرح صدورهم , وضياء قلوبهم: صحت معارفهم بالله , فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقة بالله عز وجل , وتوكلا عليه , ورضا بقضائه.

فقد إجتمعت هذه الأوصاف كلها , ومعاني هذه الأسماء كلها في أسامي القوم وألقابهم , وصحت هذه العبارات وقربت هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغيرة في الظاهر , فإن المعاني متفقة لأنها إن أخذت من الصفاء والصفوة كانت صوفية.
وإن أضيفت إلى الصف أو الصفة كانت صَفيّة أو صُفيّة , ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء في لفظ الصفية أو الصُّفية إنما كانت من تداول الألسن.

الصفحة 23