كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

وإن جعل مأخذه من الصوف: استقام اللفظ , وصحت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعاني كلها من التخلي عن الدنيا وعزوف النفس عنها وترك الأوطان ولزوم الأسفار , ومنع النفوس حظوظها , وصفاء المعاملات , وصفوة الأسرار , وانشراح الصدور وصفة للسباق.

وقال بندار بن الحسين: الصوفي من اختاره الحق لنفسه فصافاه , وعن نفسه برأه , ولم يرده إلى تعمّل وتكلف بدعوى.

وصوفي على زنة عوفي , أي عافاه الله فعوفي وكوفي , أي كافاه الله فكوفي , وجوزي , أي جازاه الله , ففعل الله به ظاهر في اسمه والله المتفرد به) (¬1).
هذا ما تخبط به الكلاباذي من الخلط والغلط قطع النظر عن ضعف أكثر الروايات التي ساقها وسردها.

ويكتب من الصوفية المتقدمين أبو العباس أحمد بن زروق (¬2) في كتابه قواعد التصوف: وقد كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف , وأمسى ذلك بالحقيقة خمسة.
الأول: قول من قال: من الصوفة , لأنه مع الله كالصوفة المطروحة لا تدبير له.
الثاني: أنه من صوفة القفا , للينها , فالصوفي هيّن ليّن كهي.
الثالث: أنه من الصفة , إذ جعلته اتصاف بالمحاسن وترك الأوصاف المذمومة.
الرابع: أنه من الصفاء , وصحح هذا القول حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله:

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ... وظنه البعض مشتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى ... صافي فصوفي حتى سمى الصوفي

الخامس: أنه منقول من الصفة لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال تعالى: ... {يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. وهذا
¬_________
(¬1) (التعرف لمذهب التصوف) للكلاباذي ص 28 - 34 تحقيق محمود أمين النواوي الطبعة الثالثة 1400 هـ مكتبة الكليات الأزهرية. القاهرة.
(¬2) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن زروق: علم من أعلام الصوفية , وإمام من أئمة أهل الحقيقة (أنظر الصفحة الفوقانية لكتاب قواعد التصوف).

الصفحة 24