كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

الخطب , ولم يكن لهم زاجر من العقل ولا واعظ من الدين أن يستبحثوا عن المعاني التي أشكلت عليهم ويسألوا ذلك عن أهلها , وقاسوا من ذلك بما علموا من العلوم المبثوثة بين عوام الناس حتى هلكوا) (¬1).

والأمثلة في هذا الباب كثيرة لا تعدّ ولا تحصى.
وأخيرا يحسن بنا أن نورد بعض الأمثلة للتأويلات الصوفية في القرآن والحديث النبوي الشريف لتمام الفائدة وإكمال البحث.

فيذكر ابن عطاء الله الإسكندري في لطائفه نقلا عن بعض مشائخه أنه فسّر الآية {يهب لمن يشاء إناثا} الحسنات {ويهب لمن يشاء الذكور} العلوم , {ويجعل من يشاء عقيما} لا علم ولا حسنة , كما مضى أيضا من قول الله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}.
فقال الشيخ: بقرة كل إنسان نفسه , والله يأمرك بذبحها , وكما سيأتي إن شاء الله في تفسير الأحاديث , فذلك ليس إحالة للظاهر عن ظاهره , ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت له الآية , ودلت عليه في عرف اللسان , وثمّ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث , لمن فتح الله على قلبه) (¬2).

وقال الجيلي مفسرا قول الله عز وجل: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} يقول في تفسيره:
(اتفقت العلماء على أن (هل) في هذا الموضوع بمعنى قد: يعني قد أتى الإنسان حين من الدهر , والهر هو الله , والحين تجل من تجلياته (لم يكن شيئا) يعني أن الإنسان لم يكن شيئا (مذكورا) , ولا وجود له في ذلك التجلي , لا من حيث الوجود العيني ولا من حيث العملي , لأنه لم يكن شيئا مذكورا , فلم يكن معلوما , وهذا التجلي هو أزل الحق الذي لنفسه) (¬3).

ثم يؤوّل الجيلي الصوم والصلاة والزكاة والحج تأويلا باطنيا محضا , كالإسماعيلية تماما , فيقول:
(وأما الصلاة فإنها عبارة عن واحدية الحق تعالى , وإقامتها إشارة إلى إقامة
¬_________
(¬1) أيضا ص 497.
(¬2) لطائف المنن لابن عطاء الإسكندري ص 248 بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق.
(¬3) الإنسان الكامل للجيلي ص 101 , 102.

الصفحة 253