كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

بن أبي الرجاء الأصفهاني رحمه الله ... وكان لهذا الشيخ رضي الله عنه بنت عذراء , طفيلة هيفاء , تقيد النظر , وتزين المحاضر , وتحير المناظر , تسمى بالنظام , تلقب بعين الشمس وإليها من العابدات العالمات السابحات الزاهدات شيخة الحرمين , وتربية البلد الأمين الأعظم بلامين , ساحرة الطرف , عراقية الظرف , إن أسهبت أثعبت , وإن أوجزت أعجزت , وإن أفصحت أوضحت إن نطقت خرس قس بن ساعدة , وإن كرمت خنس معن بن زائدة , وإن وفت قصر السموأل خطاه , وأغرى ورأى بظهر الغرر وامتطاه , ولولا النفوس الضعيفة السريعة الأمراض , السيئة الأغراض , لأخذت في شرح ما أودع الله تعالى في خلقها من الحسن , وفي خلقها الذي هو روضة المزن , شمس بين العلماء , بستان بين الأدباء , حقه مختومة , واسطة عقد منظومة , يتيمة دهرها , كريمة عصرها , سابغة الكرم , عالية الهمم , سيدة والديها , شريفة ناديها , مسكها جياد وبيتها من العين السواد ومن الصدر الفؤاد أشرقت بها تهامة , وفتح الروض لمجاورتها أكمامه , فنعمت أعراف المعارف , بما تحمله من الرقائق واللطائف , علمها عملها , عليها مسحة ملك وهمة ملك , فراعينا في صحبتها كريم ذاتها مع ما انضاف إلى ذلك من صحبة العمة والوالد , فقلدناها من نظمنا فيها بعض خاطر الاشتياق , من تلك الذخائر والأعلاق , فأعربت عن نفس تواقة , ونبهت على ما عندنا من العلاقة , اهتماما بالأمر القديم , وإيثارا لمجلسها الكريم , فكل اسم أذكره في هذا الجزء فمنها أكني , وكل دار أندبها فدارها أعني) (¬1).

ولم تكن واحدة هذه التي علق بها قلب الشيخ , وهام وراءها , بل كانت هناك أخرى أيضا , وفي بيت الله الحرام وجنب الكعبة , انظر ماذا يقول:
(كنت أطوف ذات ليلة بالبيت فطاب وقتي , وهزّني حال كنت أعرفه , فخرجت من البلاط من أجل الناس وطفت على الرمل , فحضرتني أبيات فأنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني - لو كان هناك أحد - وهي قوله:
¬_________
(¬1) ذخائر الأعلاق لابن عربي ص1 إلى 4.

الصفحة 270