كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

وقيل: أن أصل التصوف منسوب إلى صوفة , فيقول ابن الجوزي:
قال أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ: قال: سألت وليد بن القاسم: إلى أي شيء ينسب الصوفي.

فقال: كان قوم في الجاهلية يقال لهم صوفة , انقطعوا إلى الله عز وجل , وقنطوا الكعبة , فمن تشبه بهم فهم الصوفية , قال عبد الغني: فهؤلاء المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر بن أخي تميم بن مر) (¬1).

وبمثل ذلك ذكره أهل اللغة والمعاجم (¬2).

وهناك البعض الآخرون من المتقدمين والحديثين أدلوا بدلوهم , وأبدوا رأيهم في هذا , فمن المتقدمين البيروني أبو الريحان المتوفى سنة 440 هـ , الذي نسب التصوف إلى سوفيا اليونانية , معناها الحكمة , فلقد لخص كلامه صادق نشأت نقلا عن كتابه (ذكر ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة) , وهذا نصه:
(إن قدماء اليونان أي الحكماء السبعة مثل سولن الأثيني وطاليس المالطي كانوا يعتقدون قبل تهذيب الفلسفة بعقيدة الهنود , بأن الأشياء إنما هي شيء واحد وكانوا يقولون ليس للأنسان فضل على الجماد والنبات إلا بسبب القرب إلى العلة الأولية في الرتبة , وكان بعضهم يعتقد أن الوجود الحقيقي هو العلة الأولى نفسها لأنها غنية بذاتها وما سواها محتاج في الوجود إلى الغير فوجودها في حكم الخيال والحق هو الواحد الأول فقط , ويقول في أعقاب هذا التفصيل. وهذا رأي السوفية وهم الحكماء , فإن (سوف) باليونانية (الحكمة) وبها سمي الفيلسوف (بيلا سوبا) أي محب الحكمة , ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريب من رأيهم سموا باسمهم , ولم يعرف بعضهم اللقب فنسبهم للتوكل إلى الصفة وأنهم أصحابها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم , ثم صحف بعد ذلك فصير في صوف التيوس وعدل أبو الفتح البستي عن ذلك أحسن عدول في قوله:

تنازع الناس في الصوفي واختلوا ... قدما وظنوه مشتقا من الصوفي
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى ... صافي فصوفي حتى لقب الصوفي

وكذلك ذهبوا إلى أن الموجود شيء واحد وأن العلة الأولى تتراءى فيه بصور
¬_________
(¬1) تلبيس ابليس لابن الجوزي الباب العاشر ص 156.
(¬2) انظر لسان العرب لابن منظور الأفريقي ج 9 ص 200 ط دار صادر بيروت , والقاموس المحيط للفيروز آبادي ج 3 ص 169 ط مصطفى البابي الحلبي , أيضا أساس البلاغة للزمخشري ص 262 ط احياء المعاجم العربية القاهرة.

الصفحة 32