كتاب التصوف - المنشأ والمصادر

مقدمة:
حمداً لله على النعمة الظاهرة والباطنة كما يليق بجلاله وجنابه , وصلاة وسلاما على رسوله خير النبيين وأشرف المرسلين , ومن تمسك بسنته , وعض عليها بالنواجذ , واهتدى بهديه من أصحاب من أصحابه وأهل بيته وأتباعه إلى يوم الدين. وبعد:
فإنني قد إشتغلت بكتابي هذا منذ زمن غير قصير , أقدم عليه تاره وأتأخر عنه أخرى , متردداً بين الإحجام والإقدام.

ولكننا لما رأينا احتياج الناس إلى معرفة هذه الفئة من الناس وأفكارها وآرائها ومعتقداتها , وكونهم مترددين متذبذبين في تقييمها ووضعها في مكانها اللائق الصحيح , خرجنا من ترددنا وتذبذبنا خائفين من وعيد الله وتهديده:
{وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} (¬1). و {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} (¬2) وقوله: {لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} (¬3).

ويعلم الله أنه لم يكن هذا التحفظ للحفاظ على نفسي وعرضي ومالي لكونها مهددة من قبل الضالين, الغالين , والمبطلين المنتحلين , الذين اكتشفنا أمرهم وكشفناه للناس واهتدينا إلى خباياهم وخفاياهم فأظهرناها أمام الآخرين , وعرضنا صورتهم الحقيقية بإزالة نقاب التقية والتستر عن وجوههم , وإماطة اللثام عن أسرارهم وعقائدهم وتعاليمهم الأصلية الحقيقية , لأن نفسي وجسمي ومالي وعرضي جعلتها فداء لوجه ربي وابتغاء مرضاته:
{إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (¬4).
¬_________
(¬1) سورة البقرة 146
(¬2) البقرة 283.
(¬3) آل عمران 71.
(¬4) الأنعام 163.

الصفحة 5