كتاب التصوف - المنشأ والمصادر
فنفسي وعرضي ومالي فداء شريعته تعالى وسنة نبيه وصفيه , خير البرية:
فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
وكان ذلك مسلك أحبائه ورفاقه وتلامذته , أصحابه الراشدين وآله الطاهرين والمتبعين لهم بإحسان:
فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدقوا فيهم ظنوني
وإن التحفظ لم يكن حرصا على نفس وعرض ومال , فإن لكل شيء قدرا , وأن أجل الله لآت {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (¬1) {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} (¬2) و {كل نفس بما كسبت رهينة} (¬3).
كنت أظن أول الأمر أن بعض الغلاة هم الذين أساءوا إلى التصوف والصوفية , وأن الغلو والتطرف هو الذي جلب عليهم الطعن وأوقعهم في التشابه مع التشيع والشيعة , ولكنني وجدت كلما تعمقت في الموضوع , وتأملت في القوم ورسائلهم , وتوغلت في جماعتهم وطرقهم , وحققت في سيرهم وتراجمهم - أنه لا إعتدال عندهم كالشيعة تماما , فإن الإعتدال عندهم كالعنقاء في الطيور , والشيعي لا يكون شيعيا إلا حين يكون مغاليا متطرفاً , وكذلك الصوفي تماما , فمن لا يعتقد إتصاف الخلق بأوصاف الخالق , لا يمكن ان يكون صوفيا ووليا من أولياء الله.
ومن الطرائف أن ظني ذلك كان يجعلني ويحثني على أن أسمي مجموعة الكتابة عن المتصوفة (التصوف بين الإعتدال والتطرف) ولكنني لما كتبت وجدت أن هذا الاسم لا يمكن أن يناسب تلك المجموعة من الناس لعدم وجود الاعتدال مع محاولتي أن أجده لأدافع عنهم وأجادل , وأبرر بعض مواقفهم , وأجد المعاذير للبعض الأخرى , ولكني بعد قراءتي الطويلة العميقة العريضة لكتب الصوفية ومؤلفات التصوف , وجدت نفسي , إما أن أجادل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير , وأتبع كل شيطان مريد - ولا جعلني الله منهم - وإما أن أقول الحق ولا أخاف في الله لومة
¬_________
(¬1) الأعراف 34.
(¬2) الأحزاب 38.
(¬3) المدثر 38.
الصفحة 6
296