كتاب نور اللمعة في خصائص الجمعة

الذي نزلت فيه الآية مؤسسًا على التقوى بل كل منهما مؤسس على التقوى، فكذلك قوله في ساعة الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة لا ينافي قوله في الحديث الآخر، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر، ويشبه هذا في الأسماء قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الرقوب فيكم، قالوا: من لم يولد له قال: الرقوب من لم يقدم من ولده شيئا"، إن هذا هو الرقوب إذا لم يحصل له من ولده من الأجر ما حصل لمن قدم منهم فرطا، وهذا لا ينافي أن يسمى من لم يولد له رقوبا، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون المفلس فيكم قالوا: من لا درهم له ولا متاع قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد لطم هذا وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته" الحديث، ومثله قوله: "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس، ولا يتفطن له فيتصدق عليه"، وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر يعظمها جميع أهل الملل، وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنهم، وأما من قال بتنقلها فرام الجمع بذلك بين الأحاديث كما قيل ذلك في ليلة القدر، وهذا ليس بقوي فإن ليلة القدر قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "فالتمسوها في خامسة تبقى في سادسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى"، ولم يجئ مثل ذلك في ساعة الجمعة، وأيضا فالأحاديث التي في ليلة القدر ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا بخلاف أحاديث ساعة الجمعة، فظهر الفرق بينهما، وأما قول من قال: إنها رفعت فهو نظير قول من قال: إنها رفعت ليلة القدر، وهذا القائل إن أراد أنها كانت معلومة، فرفع علمها عن الأمة، فيقال له: لم يرفع علمها عن كل الأمة، وإن رفع عن بعضهم، وإن أراد أن حقيقتها وكونها ساعة إجابة رفعت، فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة، فلا يعول عليه، والله أعلم.
الخاصة الحادية والعشرون: أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع، والعدد المخصوصات، واشتراط الإقامة والاستبطان والجهر بالقراءة، وقد جاء من التشديد فيها ما لم

الصفحة 139