كتاب نور اللمعة في خصائص الجمعة

يقول ذلك قاله في تفسير هذا الحديث قال الأزهري: وهو صحيح، وهي لغة أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس قال لبيد:
راح القطين يهجر بعد ما ابتكر
فقرن الهجر بالابتكار، والرواح عندهم الذهاب والمضي يقال: راح القوم إذا مضوا وسروا أي وقت كان، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في التهجير لا ستبقوا إليه"، أراد التبكير إلى جميع الصلوات، وهو المضي إليها في جميع أول أوقاتها قال الأزهري: وسائر العرب يقولون: هجر الرجل إذا خرج بالهاجرة، وروى أبو عبيدة، عن أبي زيد هجر الرجل إذا خرج بالهاجرة، قال: وهي نصف النهار، ثم قال الأزهري: أنشدني المنذري فيما روى لثعلب، عن ابن الأعرابي في نوادره، قال: قال حصبة بن جواس الربيعي في ناقته:
هل تذكرين قسمي وتدري ... أزمان أنت بعروض الجعفر
إذ أنت مضرار جواد الخضر ... على أن لم تنهضي بوقر
بأربعين قدرت بقدري ... بالخالدي لا يضاع حجر
وتصحبي أيانقًا في سفري ... يهجرون بهجير الفجر
ثمت تسري ليلهم فتسري ... تطوي آثار الفجاج الغبر
طي أخي التجر برود التجر
قال الأزهري: يهجرون بهجير الفجر أي يبكرون بوقت الفجر، وأما كون أهل المدينة لم يكونوا يروحون إلى الجمعة أول النهار، فهذا غاية عملهم في زمان مالك رحمه الله، وهذا ليس بحجة ولا عند من يقول: إجماع أهل المدينة حجة، فإن هذا ليس فيه إلا ترك الرواح إلى الجمعة من أول النهار، وهذا جائز بالضرورة، وقد يكون اشتغال الرجل بمصالحه، ومصالح أهله ومعاشه، وغير ذلك من أمور دينه ودنياه فضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار، ولا ريب أن انتظار الصلاة بعد الصلاة، وجلوس الرجل في مصلاه حتى يصلي الصلاة الأخرى أفضل من ذهابه، وعوده في وقت آخر للثانية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "والذي ينتظر الصلاة، ثم يصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي، ثم يروح إلى آهله"، وأخبر أن الملائكة لم تزل تصلي

الصفحة 145