كتاب شرح حديث النزول

بدوامه إلى طلوع الفجر، وفي رواية: (إلى أن ينصرف القارئ من صلاة الفجر) . وقد قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] تشهده ملائكة الليل والنهار، وقد قيل: يشهده الله وملائكته.
وإذا كان هذا النزول يدوم نحو سدس عند أولئك، فهكذا هو عند كل قوم إذا مضى ثلثًا ليلهم يدوم عندهم سدس الزمان، وأما النزول الذي في النصف أو الثلثين، فإنه يدوم ربع الزمان أو ثلثه، فهو أكثر دوامًا من ذلك. وإن أريد الليل المنتهي بطلوع الشمس، كان وقت النزول أقل من ذلك فيكون قريبًا من ثمن الزمان وتُسعه، وعلى رواية النصف والثلث يكون قريبًا من سدسه وربعه وأكثر من ذلك.
ومعلوم أن زمن ثلث ليل البلد الشرقي قبل ثلث ليل البلد الغربي كما قد عرف، والعمارة طولها اثنتا عشرة ساعة، مائة وثمانون درجة، فلو قدر أن لكل مقدار ساعة ـ وهو خمس عشرة درجة من المعمورـ ثلثا غير ثلث مقدار الساعة الأخرى، لكان المعمور ستة وثلاثين ثلثًا، والنزول يدوم في كل ثلث مقدار سدس الزمان، فيلزم أن يكون النزول يدوم ليلًا ونهارًا، أنه يدوم بقدر الليل والنهار ست مرات، إذا قدر أن لكل طول ساعة من المعمور ثلثًا فكيف النزول الإلهي إلى السماء الدنيا لدعاء عباده الساكنين في الأرض؟
فكل أهل بلد من البلاد يبقي نزوله ودعاؤه لهم: هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ سدس الزمان، والبلاد من المشرق إلى المغرب كثيرة. والإسلام ـ ولله الحمد ـ قد انتشر من المشرق إلى المغرب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (زُوِيَتْ لي الأرض، مشارقها ومغاربها، وسَيَبْلُغ مُلْكُ أمتي ما زُوِي لي منها) [وقوله: (زُوِيَتْ) : أي جُمِعت] .

الصفحة 110