كتاب شرح حديث النزول

باطل بحق. وكذلك ذكر الخطيب البغدادى في [تاريخه] أن جماعة من العلماء أنكروا بعض ما وقع في كلام أبي طالب في الصفات. وما وقع في كلام أبي طالب من الحلول سرى بعضه إلى غيره من الشيوخ، الذين أخذوا عنه كأبي الحكم بن بَرَّجَان ونحوه.
وأما أبو إسماعيل الأنصاري ـ صاحب [منازل السائرين]ـ فليس في كلامه شيء من الحلول العام، لكن في كلامه شيء من الحلول الخاص في حق العبد العارف الواصل إلى ما سماه هو: [مقام التوحيد] ، وقد باح منه بما لم يبح به أبو طالب، لكن كنى عنه.
وأما [الحلول العام] ففي كلام أبي طالب قطعة كبيرة منه، مع تبريه من لفظ الحلول، فإنه ذكر كلامًا كثيرًا حسنًا في التوحيد كقوله: عالم لا يجهل، قادر لا يعجز، حي لا يموت، قيوم لا يغفل، حليم لا يسفه، سميع بصير، ملك لا يزول ملكه، قديم بغير وقت، آخر بغير حدّ، كائن لم يزل، إلى أن قال: وإنه أمام كل شيء، ووراء كل شيء، وفوق كل شيء، ومع كل شيء، ويسمع كل شيء، وأقرب إلى كل شيء من ذلك الشيء، وإنه مع ذلك غير محل للأشياء، وأن الأشياء ليست محلًا له، وأنه على العرش استوى كيف شاء بلا تكييف ولا تشبيه، وأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وبكل شيء محيط.
وذكر كلامًا آخر يتعلق بالمخلوقات وإحاطة بعضها ببعض بحسب ما رآه، ثم قال: والله ـ جل جلاله وعظم شأنه ـ هو ذات منفرد بنفسه، متوحد بأوصافه، بائن من جميع خلقه، لا يحل الأجسام ولا تحله الأعراض، ليس في ذاته سواه، ولا في سواه من ذاته شيء، ليس في الخلق إلا الخلق ولا في الذات إلا الخالق.
قلت: وهذا ينفي الحلول كما نفاه أولًا.
ثم قال: فصل شهادة التوحيد ووصف توحيد الموقنين
فشهادة الموقن يقينه أن الله هو الأول من كل شيء، وأقرب من كل شيء، فهو المعطى المانع، الهادي المضل، لا معطي ولا مانع ولا ضار ولانافع إلا الله، كما لا إله إلا الله، ويشهد قرب الله منه ونظره إليه، وقدرته عليه

الصفحة 119