كتاب شرح حديث النزول

وحيطته به، فسبق نظره وهمه إلى الله قبل كل شيء، ويذكره في كل شيء، ويخلو قلبه له من كل شيء، ويرجع إليه بكل شيء، ويتأله إليه دون كل شيء، ويعلم أن الله أقرب إلى القلب من وريده، وأقرب إلى الروح من حياته، وأقرب إلى البصر من نظره، وأقرب إلى اللسان من ريقه بقرب هو وصفه لا يتقرب ولا يقرب.
وأنه ـ تعالى ـ على العرش في ذلك كله، وأنه رفيع الدرجات من الثَّرَى، كما هو رفيع الدرجات من العرش، وأن قربه من الثرى ومن كل شيء كقربه من العرش، وأن العرش غير ملاصق له بحس، ولا تمكن فيه، ولا يذكر فيه بوجس ولا ناظر إليه بعين، ولا يحاط به فيدرك؛ لأنه ـ تعالى ـ محتجب بقدرته عن جميع بريته، ولا نصيب للعرش منه إلا كنصيب موقن عالم به، واجد لما أوجده منه من أن الله عليه، وأن العرش مطمئن به، وأن الله محيط بعرشه فوق كل شيء، وفوق تحت كل شيء، فهو فوق الفوق، تحت التحت، لا يحد بتحت فيكون له فوق؛ لأنه العلي الأعلى.
أين كان لا يخلو من علمه وقدرته مكان، ولا يحد بمكان، ولا يفقد من مكان، ولا يوجد بمكان، فالتحت للأسفل، والفوق للأعلى.
وهو ـ سبحانه ـ فوق كل فوق في العلو، وفوق كل تحت في السمو، هو فوق ملائكة الثرى، كما هو فوق ملائكة العرش والأماكن الممكنات، ومكانه مشيئته ووجوده قدرته، والعرش والثرى فما بينهما، هو حد للخلق الأسفل والأعلى بمنزلة خردلة في قبضته، وهو أعلى من ذلك محيط بجميع ذلك، كما لايدركه العقل ولا يكيفه الوهم، ولا نهاية لعلوه، ولا فوق لسموّه، ولا بعد في دنوه.
إلى أن قال: وإن الله لا يحجبه شيء عن شيء، ولا يبعد عليه شيء، قريب من كل شيء بوصفه، وهو القدرة والدراك، والأشياء مبعدة بأوصافها؛ وهو البعد والحجب، فالبعد والإبعاد حكم مشيئته، والحدود والأقطار حجب بريته.
إلى أن قال: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3] ، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى

الصفحة 120