كتاب شرح حديث النزول

أحب وجد عند كل شيء، وإن لم يحب لم يوجد بشيء. وذكر تمام كلامه كما حكيناه من قبل.
قلت: وهذا الذي ذكره من قربه وإطلاقه، وأنه لايتجلى بوصف مرتين ولا يظهر في صورة لاثنين، هو حكم ما يظهر لبعض السالكين من قربه إلى قلوبهم، وتجليه لقلوبهم ـ لا أن هذا هو وصفه في نفس الأمر، وأنه كما تحصل هذه التجليات المختلفة تحصل يوم القيامة للعيون.
وهذا الموضع مما يقع الغلط فيه لكثير من السالكين، يشهدون أشياء بقلوبهم فيظنون أنها موجودة في الخارج هكذا، حتى إن فيهم خلقًا منهم من المتقدمين والمتأخرين يظنون أنهم يرون الله بعيونهم؛ لما يغلب على قلوبهم من المعرفة والذكر والمحبة، يغيب بشهوده فيما حصل لقلوبهم، ويحصل لهم فناء واصطلام، فيظنون أن هذا هو أمر مشهود بعيونهم، ولا يكون ذلك إلا في القلب؛ ولهذا ظن كثير منهم أنه يرى الله بعينه في الدنيا.
وهذا مما وقع لجماعة من المتقدمين والمتأخرين، وهو غلط محض حتى أورث مما يدعيه هؤلاء شكًا عند أهل النظر والكلام الذين يجوزون رؤية الله في الجملة، وليس لهم من المعرفة بالسنة ما يعرفون به؛ هل يقع في الدنيا أو لا يقع؟ فمنهم من يذكر في وقوعها في الدنيا قولين، ومنهم من يقول يجوز ذلك. وهذا كله ضلال؛ فإن أئمة السنة والجماعة متفقون من أن الله لا يراه أحد بعينه في الدنيا ولم يتنازعوا إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد روى نفي رؤيتنا له في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال ـ لما ذكر الدجال ـ قال: " واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت " وموسى بن عمران ـ عليه السلام ـ قد سأل الرؤية، فذكر الله ـ سبحانه ـ قوله: {قَالَ لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، وما أصاب موسى من الصعق.

الصفحة 122