كتاب شرح حديث النزول

وهؤلاء منهم من يقول: إن موسى رآه، وإن الجبل كان حجابه، فلما جعل الجبل دكا رآه، وهذا يوجد في كلام أبي طالب ونحوه. ومنهم من يجعل الرائي هو المرئي، فهو الله فيذكرون اتحادًا، وأنه أفنى موسى عن نفسه حتى كان الرائي هو المرئي فما رآه عندهم موسى، بل رأى نفسه بنفسه، وهذا يدعونه لأنفسهم.
والاتحاد والحلول باطل. وعلى قول من يقول به إنما هذا في الباطن والقلب، لا في الظاهر؛ فإن غاية ذلك ما تقوله النصارى في المسيح، ولم يقولوا: إن أحدًا رأى اللاهوت الباطن المتُدَرِّع [أي: المتلبس، وفيها معنى الدخول في الشيء] . بالناسوت.
وهذا الغلط يقع كثيرًا في السالكين. يقع لهم أشياء في بواطنهم فيظنونها في الخارج في ذلك بمنزلة الغالطين من نظار المتفلسفة ونحوهم؛ حيث يتصورون أشياء بعقولهم كالكليات والمجردات ونحو ذلك، فيظنونها ثابتة في الخارج، وإنما هى في نفوسهم؛ ولهذا يقول أبو القاسم السهيلي وغيره: نعوذ بالله من قياس فلسفي، وخيال صوفي.
ولهذا يوجد التناقض الكثير في كلام هؤلاء وهؤلاء. وأما الذين جمعوا الآراء الفلسفية الفاسدة والخيالات الصوفية الكاسدة كابن عربى وأمثاله، فهم من أضل أهل الأرض؛ ولهذا كان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة إمام هدى، فكان قد عرف ما يعرض لبعض السالكين، فلما سئل عن التوحيد قال: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم.
فبين أنه يميز المحدث عن القديم تحذيرًا عن الحلول والاتحاد. فجاءت الملاحدة ـ كابن عربى ونحوه ـ فأنكروا هذا الكلام على الجنيد؛ لأنه يبطل مذهبهم الفاسد. والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال، وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين، وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك، وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله ـ تعالى.
وقد خطب عروة بن الزبير من عبد الله بن عمر ابنته، وهو في الطواف، فقال: أتحدثنى

الصفحة 123