كتاب شرح حديث النزول

عبد الله بن موسى صاحب عبادة، ثنا مَعْدان ـ قال ابن المبارك: إن كان أحد بخراسان من الأبدال فمعدان ـ قال: سألت سفيان الثوري عن قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4] ؛ قال: علمه.
وقال حنبل بن إسحاق في كتاب [السنة] : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} و {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] قال: علمه، عالم الغيب والشهادة محيط بكل شيء، شاهد. علام الغيوب، يعلم الغيب، ربنا على العرش بلا حد ولا صفة، وسع كرسيه السموات والأرض.
وقد بسط الإمام أحمد الكلام على معنى المعية في [الرد على الجهمية] . ولفظ المعية في كتاب الله جاء عامًا كما في هاتين الآيتين، وجاء خاصًا كما في قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] وقوله: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وقوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] . فلو كان المراد أنه بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص؛ فإنه قد علم أن قوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} أراد به تخصيصه وأبا بكر دون عدوهم من الكفار، وكذلك قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} خصهم بذلك دون الظالمين والفجار.
وأيضًا، فلفظ [المعية] ليست في لغة العرب ولا شيء من القرآن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى؛ كما في قوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] ، وقوله: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 146] ، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] ، وقوله: {وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ} [الأنفال: 75] . ومثل هذا كثير؛ فامتنع أن يكون قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق. وأيضًا، فإنه افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم بهم.

الصفحة 127