كتاب شرح حديث النزول

وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وبين أن لفظ المعية في اللغة ـ وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة ـ فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه. فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد.
وقد قال ابن أبي حاتم: قرأت على محمد بن الفضل: حدثنا محمد بن على بن الحسن بن شَقِيق، ثنا محمد بن مُزِاحم، ثنا بُكَيْر بن معروف، عن مقاتل بن سليمان في قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} من المطر {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء} من القطر {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} ما يصعد إلى السماء من الملائكة {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} يعنى بقدرته وسلطانه وعلمه معكم أينما كنتم.
وبهذا الإسناد عن مقاتل بن سليمان قال: بلغنا ـ والله أعلم ـ في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ} قال: قبل كل شيء {وَالْآخِرُ} قال: بعد كل شيء {وَالظَّاهِرُ} قال: فوق كل شيء {وَالْبَاطِنُ} قال: أقرب من كل شيء؛ وإنما نعنى بالقرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] يعلم نجواهم ويسمع كلامهم، ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء نطقوا به، سيِّئ أو حسن.
وهذا ليس مشهورًا عن مقاتل كشهرة الأول الذي روى عنه من وجوه لم يجزم بما قاله، بل قال: بلغنا، وهو الذي فسر الباطن بالقريب، ثم فسر القرب بالعلم والقدرة، ولا حاجة إلى هذا. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء " وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وأبي ذر

الصفحة 128