كتاب شرح حديث النزول

ويلزم الملحد على اعتقاده أن يكون معبوده مخالطًا لدم الإنسان ولحمه، وألا يجرد الإنسان تسمية المخلوق حتى يقول: خالق ومخلوق؛ لأن معبوده بزعمه داخل حبل الوريد من الإنسان وخارجه، فهو على قوله ممتزج به غير مباين له.
قال: وقد أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله على عرشه، بائن من جميع خلقه، وتعالى الله عن قول أهل الزيغ، وعما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
قال: وكذلك الجواب في قوله فيمن يحضره الموت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85] أي بالعلم به والقدرة عليه، إذ لا يقدرون له على حيلة ولا يدفعون عنه الموت، وقد قال تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61] ، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] .
قلت: وهكذا ذكر غير واحد من المفسرين مثل الثعلبى وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهما في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، وأما في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} فذكر أبو الفرج القولين: أنهم الملائكة، وذكره عن أبي صالح عن ابن عباس، وأنه القرب بالعلم.
وهؤلاء كلهم مقصودهم أنه ليس المراد أن ذات الباري ـ جل وعلا ـ قريبة من وريد العبد ومن الميت، ولما ظنوا أن المراد قربه وحده دون قرب الملائكة فسروا ذلك بالعلم والقدرة كما في لفظ المعية، ولا حاجة إلى هذا؛ فإن المراد بقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} أي بملائكتنا في الآيتين، وهذا بخلاف لفظ المعية، فإنه لم يقل: ونحن معه، بل جعل نفسه هو الذي مع العباد، وأخبر أنه ينبئهم يوم القيامة بما عملوا، وهو نفسه الذي خلق السموات والأرض، وهو نفسه الذي استوى على العرش، فلا يجعل لفظ مثل لفظ، مع تفريق القرآن بينهما.
وكذلك قال أبو حامد موافقًا لأبي طالب المكي في بعض ما قال، مخالفًا له في البعض؛

الصفحة 131