كتاب شرح حديث النزول

نفسه؟ ! وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة؛ فإنه قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 16-18] . فقيد القرب بهذا الزمان، وهو زمان تلقي المتلقيين، قعيد عن اليمين، وقعيد عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب لم يختص ذلك بهذه الحال، ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب.
وكذلك قوله في الآية الأخرى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 83-85] ، فلو أراد قرب ذاته لم يخص ذلك بهذه الحال، ولا قال: {وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ} ؛ فإن هذا إنما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال ولكن نحن لا نبصره، والرب ـ تعالى ـ لا يراه في هذه الحال، لا الملائكة ولا البشر.
وأيضًا، فإنه قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} ، فأخبر عمن هو أقرب إلى المحتضر من الناس الذين عنده في هذه الحال. وذات الرب ـ سبحانه وتعالى ـ إذا قيل: هي في مكان، أو قيل: قريبة من كل موجود، لا يختص بهذا الزمان والمكان والأحوال، ولا يكون أقرب إلى شيء من شيء.
ولا يجوز أن يراد به قرب الرب الخاص، كما في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] ، فإن ذاك إنما هو قربه إلى من دعاه أو عبده، وهذا المحتضر قد يكون كافرًا أو فاجرًا أو مؤمنًا أو مقربًا؛ ولهذا قال تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 88 ـ94] ، ومعلوم أن مثل هذا

الصفحة 134