كتاب شرح حديث النزول

المكذب لا يخصه الرب بقربه منه دون من حوله، وقد يكون حوله قوم مؤمنون، وإنما هم الملائكة الذين يحضرون عند المؤمن والكافر، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] ، وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفي الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] ، وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 39] ، وقال تعالى: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61] ، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] .
ومما يدل على ذلك: أنه ذكره بصيغة الجمع، فقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} ، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، وهذا كقوله سبحانه: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 3] ، وقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3] ، وقال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 17-19] .
فإن مثل هذا اللفظ إذا ذكره الله ـ تعالى ـ في كتابه دل على أن المراد أنه ـ سبحانه ـ يفعل ذلك بجنوده وأعوانه من الملائكة؛ فإن صيغة [نحن] يقولها المتبوع المطاع العظيم الذي له جنود يتبعون أمره، وليس لأحد جند يطيعونه كطاعة الملائكة ربهم، وهو خالقهم وربهم، فهو ـ سبحانه ـ العالم بما توسوس به نفسه، وملائكته تعلم؛ فكان لفظ [نحن] هنا هو المناسب.
وكذلك قوله: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} فإنه سبحانه يعلم ذلك،

الصفحة 135