كتاب شرح حديث النزول

وملائكته يعلمون ذلك كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا همَّ العبد بحسنة كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات، وإذا همَّ بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإن تركها لله كتبت حسنة ". فالملك يعلم ما يهم به العبد من حسنة وسيئة، وليس ذلك من علمهم بالغيب الذي اختص الله به، وقد روى عن ابن عيينة أنهم يشمون رائحة طيبة فيعلمون أنه همَّ بحسنة، ويشمون رائحة خبيثة فيعلمون أنه همَّ بسيئة، وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل مافي قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه، فإذا ذكر الله خَنَس [أي انقبض وتأخر] .، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره؟ ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر صفية ـ رضي الله عنها ـ: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرًا. وإما أن تكون ذات الرب في قلب كل أحد كافر أو مؤمن فهذا باطل، لم يقله أحد من سلف الأمة ولا نطق به كتاب ولا سنة، بل الكتاب والسنة وإجماع السلف مع العقل يناقض ذلك.
ولهذا لما ذكر الله ـ سبحانه ـ قربه من داعيه وعابديه قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، فهنا هو نفسه ـ سبحانه وتعالى ـ القريب الذي يجيب دعوة الداع لا الملائكة، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلمفي الحديث المتفق على صحته: " إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ".

الصفحة 136