كتاب شرح حديث النزول

يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4] ، وقال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] ، وقال تعالى: {وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] .
فقد أخبر أنه يحب المتبعين لرسوله والمجاهدين في سبيله، وأنه يحب المتقين والصابرين والتوابين والمتطهرين، وهو ـ سبحانه ـ يحب كل ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب.
وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] يقتضي أنه ـ سبحانه ـ وجنده الموكلين بذلك يعلمون ما يوسوس به العبد نفسه، كما قال: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] فهو يسمع، ومن يشاء من الملائكة يسمعون، ومن شاء من الملائكة.
وأما الكتابة فرسله يكتبون، كما قال هاهنا: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 81] ، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] . فأخبر بالكتابة بقوله نحن؛ لأن جنده يكتبون بأمره. وفصل في تلك الآية بين السماع والكتابة لأنه يسمع بنفسه، وأما كتابة الأعمال فتكون بأمره والملائكة يكتبون.
فقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} مثل قوله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} لما كانت ملائكته متقربين إلى العبد بأمره، كما كانوا يكتبون عمله بأمره، قال ذلك، وقربه من كل أحد بتوسط الملائكة كتكليمه كل أحد بتوسط الرسل؛ كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى: 51] .

الصفحة 139