كتاب شرح حديث النزول

فهذا تكليمه لجميع عباده بواسطة الرسل، وذاك قربه إليهم عند الاحتضار، وعند الأقوال الباطنة في النفس والظاهرة على اللسان، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10ـ 12] .
وقد غلط طائفة ظنوا أنه نفسه الذي يسمع منه القرآن، وهو الذي يقرؤه بنفسه بلا واسطة عند قراءة كل قارئ، كما غلطوا في القرب، وهم طائفة من متأخري أهل الحديث ومتأخري الصوفية.
ومن الناس من يفسر قول القائلين: بأنه أقرب إلى كل شيء من نفس ذلك الشيء؛ بأن الأشياء معدومة من جهة أنفسها، وإنما هي موجودة بخلق الرب ـ سبحانه وتعالى ـ لها، وهي باقية بإبقائه، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا موجود إلا بإيجاده، ولا باقى إلا بإبقائه. فلو قدر أنه لم يشأ خلقها وتكوينها لكانت باقية على العدم لا وجود لها أصلا، فصار هو أقرب إليها من ذواتها، فتكوين الشيء وخلقه وإيجاده هو فعل الرب ـ سبحانه وتعالى ـ وبه كان الشيء موجودًا وكان ذاتًا محققة في الخارج. والموجود دائما محتاج إلى خالقه لا يستغنى عنه طرفة عين، فكان موجودًا بنسبته إلى خالقه، ومعدومًا بنسبته إلى نفسه، فإنه بالنظر إلى نفسه لا يستحق إلا العدم، فكان الرب أقرب إلى المخلوقات من المخلوقات إلى أنفسها بهذا الاعتبار.
وقد يفسر بعضهم قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] بهذا المعنى؛ فإن الأشياء كلها بالنظر إلى أنفسها عدم محض، ونفي صرف، وإنما هي موجودة تامة بالوجه الذي لها إلى الخالق، وهو تعلقها به، وبمشيئته وقدرته، فباعتبار هذا الوجه كانت موجودة، وبالوجه الذي يلي أنفسها لا تكون إلا معدومة.
وقد يفسرون بذلك قول لَبِيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ...

الصفحة 140