كتاب شرح حديث النزول

من أهل السنة على أن معنى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء.
قال: وقال أهل السنة في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] : الاستواء من الله على عرشه المجيد على الحقيقة لا على المجاز، واستدلوا بقول الله: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28] ، وبقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] ، وبقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44] ، إلا أن المتكلمين من أهل الإثبات في هذا على أقوال: فقال مالك ـ رحمه الله ـ: إن الاستواءمعقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقال عبد الله بن المبارك ـ ومن تابعه من أهل العلم، وهم كثير ـ: إن معنى {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] : استقر، وهو قول القتيبي، وقال غير هؤلاء: استوى أي ظهر. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: استوى بمعنى: علا، وتقول العرب: استويت على ظهر الفرس، بمعنى: علوت عليه، واستويت على سقف البيت، بمعنى علوت عليه، ويقال: استويت على السطح بمعناه، وقال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} ، وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} ، وقال: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بمعنى علا على العرش.
وقول الحسن: وقول مالك من أنبل جواب وقع في هذه المسألة وأشده استيعابا؛ لأن فيه نبذ التكييف وإثبات الاستواء المعقول، وقد ائتم أهل العلم بقوله واستجودوه واستحسنوه.
ثم تكلم على فساد قول من تأول {اسْتَوَى} بمعنى: استولى.

الصفحة 145