كتاب شرح حديث النزول

وقال الثعلبي: وقال الكلبي ومقاتل: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يعني: استقر، قال: وقال أبو عبيدة: صعد. وقيل: استولى. وقيل: ملك. واختار هو ما حكاه عن الفراء وجماعة أن معناه: أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه، قال: ويدل عليه قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] أي: عمد إلى خلق السماء.
وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض، وكذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض ". فإذا كان العرش مخلوقًا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؛ لو كان هذا يعرف في اللغة: أن استوى على كذا بمعنى أنه عمد إلى فعله، وهذا لا يعرف قط في اللغة، لا حقيقة ولا مجازًا، لا في نظم ولا في نثر.
ومن قال: استوى بمعنى: عمد، ذكره في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] ؛ لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا، وقصدت إلى كذا، ولا يقال: عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك

الصفحة 146