كتاب شرح حديث النزول

الآية لا يعرف في اللغة أيضًا، ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف قولهم بخلاف ذلك كما قدمناه عن بعضهم.
وإنما هذا القول وأمثاله ابتدع في الإسلام، لما ظهر إنكار أفعال الرب التي تقوم به ويفعلها بقدرته ومشيئته واختياره؛ فحينئذ صار يفسر القرآن من يفسره بما ينافي ذلك، كما يفسر سائر أهل البدع القرآن على ما يوافق أقاويلهم. وأما أن ينقل هذا التفسير عن أحد من السلف فلا، بل أقوال السلف الثابتة عنهم متفقة في هذا الباب، لا يعرف لهم فيه قولان، كما قد يختلفون أحيانًا في بعض الآيات. وإن اختلفت عباراتهم فمقصودهم واحد وهو إثبات علو الله على العرش.
فإن قيل: إذا كان الله لا يزال عاليًا على المخلوقات كما تقدم، فكيف يقال: ثم ارتفع إلى السماء وهي دخان؟ أو يقال: ثم علا على العرش؟ قيل: هذا كما أخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا ثم يصعد، وروى [ثم يعرج] ، وهو ـ سبحانه ـ لم يزل فوق العرش، فإن صعوده من جنس نزوله. وإذا كان في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه، فهو ـ سبحانه ـ يصعد وإن لم يكن منها شيء فوقه.
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء} [البقرة: 29] إنما فسروه بأنه ارتفع؛ لأنه قال قبل هذا: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9-12] ، وهذه نزلت في سورة [حم] بمكة. ثم أنزل الله في المدينة سورة البقرة: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ

الصفحة 147