كتاب شرح حديث النزول

اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 28، 29] ، فلما ذكر أن استواءه إلى السماء كان بعد أن خلق الأرض وخلق ما فيها، تضمن معنى الصعود؛ لأن السماء فوق الأرض، فالاستواء إليها ارتفاع إليها.
فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام، فقبل ذلك لم يكن على العرش؟ قيل: الاستواء علو خاص، فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستو عليه.
ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليًا على غيره: إنه مستو عليه، واستوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه: إنه استوى على غيره؛ فإنه عال عليه. والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض [الاستواء] لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويًا عليه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثملما خلق هذا العالم كان عاليًا عليه ولم يكن مستويًا عليه، فلما خلق هذا العالم استوى عليه، فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما [الاستواء] فهو فعل يفعله ـ سبحانه وتعالى ـ بمشيئته وقدرته؛ ولهذا قال فيه: {ثُمَّ اسْتَوَى} [فصلت: 11] ؛ ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر.
وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع، وهذا اختيار أبي محمد بن كُلاَّب وغيره، وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى، وقول جماهير أهل السنة والحديث ونظار المثبتة.
وهذا الباب ـ ونحوه ـ إنما اشتبه على كثير من الناس؛ لأنهم صاروا يظنون أن ما وصف الله ـ عز وجل ـ به من جنس ما توصف به أجسامهم، فيرون ذلك يستلزم الجمع بين الضدين؛ فإن كونه فوق العرش مع نزوله يمتنع في مثل أجسامهم، لكن مما يسهل عليهم معرفة إمكان هذا معرفة أرواحهم وصفاتها وأفعالها، وأن الروح قد تعرج من النائم إلى السماء وهي لم تفارق البدن، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفي الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي

الصفحة 148