كتاب شرح حديث النزول

والناس في مثل هذا على ثلاثة أقوال: منهم من ينكر إقعاد الميت مطلقًا؛ لأنه قد أحاط ببدنه من الحجارة والتراب ما لا يمكن قعوده معه، وقد يكون في صخر يطبق عليه، وقد يوضع على بدنه ما يكشف فيوجد بحاله ونحو ذلك؛ ولهذا صار بعض الناس إلى أن عذاب القبر إنما هو على الروح فقط، كما يقوله ابن ميسرة وابن حزم، وهذا قول منكر عند عامة أهل السنة والجماعة.
وصار آخرون إلى أن نفس البدن يقعد، على ما فهموه من النصوص.
وصار آخرون يحتجون بالقدرة وبخبر الصادق، ولا ينظرون إلى ما يعلم بالحس والمشاهدة، وقدرة الله حق، وخبر الصادق حق، لكن الشأن في فهمهم.
وإذا عرف أن النائم يكون نائمًا وتقعد روحه وتقوم وتمشي وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالًا وأمورًا بباطن بدنه مع روحه، ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب، مع أن جسده مضطجع، وعينيه مغمضة، وفمه مطبق، وأعضاءه ساكنة، وقد يتحرك بدنه لقوة الحركة الداخلة، وقد يقوم ويمشي ويتكلم ويصيح لقوة الأمر في باطنه ـ كان هذا مما يعتبر به أمر الميت في قبره؛ فإن روحه تقعد وتجلس وتسأل وتنعم وتعذب وتصيح وذلك متصل ببدنه، مع كونه مضطجعًا في قبره. وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك في بدنه، وقد يرى خارجًا من قبره والعذاب عليه وملائكة العذاب موكلة به، فيتحرك بدنه ويمشى ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب، ومن يقعد بدنه ـ أيضًا ـ إذا قوى الأمر، لكن هذا ليس لازما في حق كل ميت؛ كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازمًا لكل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر.
وقد عرف أن أبدانًا كثيرة لا يأكلها التراب كأبدان الأنبياء وغير الأنبياء من الصديقين، وشهداء أحد، وغير شهداء أحد، والأخبار بذلك متواترة. لكن المقصود أن

الصفحة 150