كتاب شرح حديث النزول

ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلممن إقعاد الميت مطلقًا هو متناول لقعودهم ببواطنهم، وإن كان ظاهر البدن مضطجعًا.
ومما يشبه هذا إخباره صلى الله عليه وسلم بما رآه ليلة المعراج من الأنبياء في السموات، وإنه رأي آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأخبر ـ أيضًا ـ أنه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره، وقد رآه ـ أيضا ـ في السموات. ومعلوم أن أبدان الأنبياء في القبور إلا عيسى وإدريس. وإذا كان موسى قائما يصلي في قبره، ثم رآه في السماء السادسة، مع قرب الزمان، فهذا أمر لا يحصل للجسد. ومن هذا الباب ـ أيضًا ـ نزول الملائكة ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ جبريل وغيره.
فإذا عرف أن ما وصفت به الملائكة وأرواح الآدميين من جنس الحركة والصعود والنزول وغير ذلك لا يماثل حركة أجسام الآدميين، وغيرها مما نشهده بالأبصار في الدنيا، وأنه يمكن فيها ما لا يمكن في أجسام الآدميين ـ كان ما يوصف به الرب من ذلك أولى بالإمكان، وأبعد عن مماثلة نزول الأجسام، بل نزوله لا يماثل نزول الملائكة وأرواح بني آدم، وإن كان ذلك أقرب من نزول أجسامهم.
وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ [القعود والجلوس] في حق ـ الله تعالى ـ كحديث جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وحديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وغيرهما أولى ألا يماثل صفات أجسام العباد.
فَصْل
نزاع الناس في معنى [حديث النزول] ، وما أشبهه في الكتاب والسنة من الأفعال اللازمة المضافة إلى الرب ـ سبحانه وتعالى ـ مثل المجيء، والإتيان، والاستواء إلى السماء وعلى

الصفحة 151